أغمض عينيه.... ليتفقد.....

انتصفَ الليلُ .. وسادَ الهدوءُ أرجاءَ المنزلِ .. اختلى بنفسهِ ..ليس معه سوى وريقات بيضاء ..

وقلم وبعض ٍمن ذكريات الأمس .. جلس صامتا ً مستمعا ً لحديث عقله .. نظر إلى أوراقهِ

نظرة ً هي في الحقيقة .. لا تقصد الأوراق .. بل كانت لأبعد َ من ذلك .. أسند خدَه على كفه ..

و تناول قلمَه بكفه الأخرى لـ ...!!!!... لم يكن بخلَده قصيدةٌ يريد نظمها .. ولا خاطرةٌ يبوح بها ..

ولا خطاب ٌ يرسله .. كَبُرَ ذلك في نفسه وأثقل َ جفنَ عينه فأغمضها .. وما أن أغمض عينيه ..

حتى بدأ يتفقد ُ قلبَه .. كم من البشر يعرف .. كم من الإحسان أحسن َ وأ ُحسِنَ إليه .. وكم من

الإساءة أساء َ وأ ُسيء إليه .. كم من لقاء ٍ وفراق ٍ عاش لحظاتهما ..

انتهى من ذلك .. لكنه لم يفتح عينيه .. بل واصل .. فتفقد نطقَه .. كم من كلمة ٍ وعبارة ٍ ..

جملها وحسّنها وتفوه بها .. وكم من قول ٍ جارح ٍ تخطى حدودَ الثغر ِ رغما ً عنه .. وحاسب به

نفسه ..كم من أنشودة ٍ ترنم وشدا بها ..

انتهى .. أيضا ً لم يفتح عينيه .. فواصل وتفقد بصره .. تذكر صور َ الحياة ِ التي رآها ..

منها ما أعجبَه حسنُها .. ومنها ما تمنى لو أنه لم يبصرها .. كم من شخص ٍ يحب لقاءَه ..

ويحب مرآه .. أمه .. أبيه .. إخوته .. أصدقائه .. شيخه .. قريبه .. جاره .. عامل النظافة ..

وكم من زهرة ٍ وقف أمامها وتأملها .. وكم من منظر ٍ رآه وأدمع َ عينه وحرك وجدانه ..

انتهى .. ومع ذلك لم يفتح عينيه .. تفقد خطواتِه ومساراتِه ... أين مضى ؟ .. من أين أتى ؟ ..

أين توقف ؟ .. ما سر ذاك المكان الذي يتردده دوما ً ...

فانتهى .. وحين شرع في تفقد ِ سمعه .. قاطعَه صوت ُ المؤذن .. ينادي لصلاة الفجر ..

فاكتفى به .. وردد خلفَه .. إلى أن فرغ من ذلك .. فتح عينيه .. ووضع قلمَه على أوراقِه التي

لم يدون بها شيئا ً .. مضى وتوضأ .. وأيقظ أهلَه .. ثم خرج للصلاة سائرا ً مع جموع المصلين ..

عازما ً على العودة في نفس الزمان .. ولنفس المكان .. حاملا ً بقلبه ما يريد تدوينه ...

انتهى